عمر أحمو – ميدي 24
للعيد في البادية طعم خاص، وللناس البدويين فيه عادات وأعراف وقيم يتوارثها الخلف عن السلف أبا عن جد، مظاهر الفرحة والبهجة لا تُخطئها العين في أي بيت، وفي أي زقاق أو ساحة. البياض يُهيمن على كل الألوان، ورائحة المسك والعطر والبخور وعود الند والحبق والنعناع والحناء تفوح في كل مكان.
الحديث عن عيد البادية وتجلياته الدينية والقيمية والاجتماعية، قد يطول ولا ننتهي فيه إلى حصر أو عد، فكل شيء في البادية ينطق بروح العيد، من الإنسان إلى العمران، ومن البشر إلى الشجر والحجر. كل شيءٍ له معنى، ولكل معنى شعور ومذاق خاصان.
لكني أود أن أشير في هذه السطور باقتضاب إلى بعض تلك العادات والأعراف والمظاهر التي يكاد الشوقُ إليها يُفرغ المدن من سُكانها من البدويين. من تلك العادات والأعراف التي تنطوي على كثير من القيم:
_ حرص سكان البادية على كثير من القيم الإنسانية الدينية النبيلة كالتكافل بتبادل زكاة الفطر وتقديم الهدايا وإسعاد الأقارب والأباعد.
_ حرص الناس على نظافة الطرقات ومسارات المصلين صبيحة العيد، لذلك تجدهم قبل العيد بيومين يبادرون إلى تنظيف المساجد والمصليات والطرق المؤدية إليها في حملات جماعية مثيرة ومُلهمة.
_ حرص سكان البادية على أن يخرج الجميع إلى صلاة العيد، وترى من مظاهر ذلك انتظار المصلين بعض السكان من كبار السن والأطفال الذين تأخروا في بيوتهم لسبب من الأسباب، وذلك حتى يخرج الجميع إلى الصلاة.
_ الحرص على تطبيق السنن النبوية من السير ذهابا إلى المصلى من طريق والعودة من طريق آخر، والاجتماع في المسجد للحظات من أجل الدعاء وإسعاد الإمام بالإحسان قبل الذهاب إلى البيوت للوقوف على تحضيرات الغداء وتقبل التهاني من أبناء البلدة وبناتها.
_ حرص جميع سكان البادية على تهنئة بعضهم بعضا بعد صلاة العيد، بتبادل الزيارات وعيادة المرضى من كبار السن وغيرهم ممن أقعدهم الابتلاء في البيوت.
_ اجتماع سكان البادية على وجبة الغداء في المسجد، واجتماع النساء في منزل من منازل البادية، يُنصتون إلى المواعظ ويتبادلون أطراف الحديث ويناقشون أحيانا شؤون البلدة ومستجداتها.
_ بعد صلاة العشاء، يجتمع سكان البادية في مكان يسمى محليا “أسايس” لاختتام ليلة العيد برقصة أحواش الباعثة على دعم أواصر التفاهم وروابط المودة والتآزر، في أسلوب جماعي مشترك، يزرع في النفس قيم التعاون والتكافل وينمي الوعي الاجتماعي لدى الساكنة.
_ في صباح اليوم الموالي للعيد، يتفرغ الناس لزيارة الأقارب في القرى المجاورة، في مشهد مهيب، كل يشد الرحال عند قريب له، لما تحظى به صلة الرحم عند أهل البادية من إجلال وتعظيم.
ويستمر الناس في تبادل هذه الزيارات أياما بعد العيد، في عُرف اجتماعي يُقصد منه تعزيز مشاعر الفرح والمحبة، وتقوية أواصر المودة والأخوة، وذلك كله من صميم مقاصد العيد في الإسلام.