عمر أحمو – ميدي 24
قبل أيام قليلة كنا نعيش في جو تنافسي من أجل إرضاء رب العالمين، وكان كل واحد منا يرمي بدنياه وراء ظهره ويشمر على ساعديه، ويبذل الغالي والنفيس كي لا يمر رمضان وصحيفته على حالها، في سباق إلى الله مرددا “وعجلت إليك ربي لترضى”.
نعم، في رمضان، ترى الناس يهرولون إلى الله ولسان حالهم يقول “إني ذاهب إلى ربي سيهدين “، وهكذا تمضي أيام رمضان سريعاً حتى يُكمل دورتَه ويرحل، وكلما مرت منه أيام، زاد تعلقنا به وزادت معه لذة الإيمان وحب الطاعة، فيتمنى المرء لو أن كل الأيام رمضان، وهذا هو السؤال الذي يطرح نفسه في كل مرة، فلماذا لا يكون العمر كله رمضان؟
لا أقصد هنا أن يعتكف الإنسان ويُلزم نفسه بالصيام سنة كاملة، فالله أدرى بعباده، ولهذا أمر الإنسان ألا يكلف نفسه ما لا تطيق. [لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا] وإنما مراد كلامي أن يظل العبد على اجتهاده كما يفعل في رمضان، فيتقي محارم الله ولا ينتهكها، ويصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم ويستغفرونه، والذين هم للصلاة قائمون، ولفروجهم حافظون، وألا ينخدع بالغافلين الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وهم في الحقيقة في طريق الخسران ما لم يستيقظوا ويتوبوا ويعملوا صالحا، فإن تابوا وأصلحوا كانت مغفرة الله أقرب إليهم من عقابه وسخطه.
على المسلم أن يدرك حقيقة أن الطاعة ليس لها زمن محدود، بل يجب أن تستمر النفوس على نهج الهدى والرشاد بعد رمضان، فعبادة رب العالمين ليست مقصورة على رمضان ولا محصورة فيه، وليس للعبد منتهى من العبادة دون الموت، وأن ما يحدث منا بعد رمضان استخفاف بالله، فبئس والله القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.
وإن كان ما يجر الناس إلى رمضان ويحبب إليهم العبادة هو كثرة الثواب فيه، فإن ذلك لا يغيب في غيره من الشهور، والتقرب إلى الله لا يتطلب ذلك الجهد الذي يثقل كاهلك، فقد قال عليه الصلاة والسلام {أحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قل}. وفي هذا الباب ورد الكثير من الأعمال التي ترفع قدر المرء عند ربه مقاما كبيرا. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم {أحبُّ الأعمال إلى الله أن تموت ولسانُك رطب من ذكر الله}.
فإذاً أيها المسلمون، لا بد من تدارك الأمر، واعتبار شهر رمضان مدرسة تربوية ومحطة تزود يتزود منها العبد بالتقوى وبما يجاهد به نفسه ويقويها على الطاعة على مدار السنة، فالخير لا ينحصر في شهر رمضان، وباب السعي إلى الله مفتوح في كل الشهور، وأحب الدين ما داوم عليه صاحبه وإن قل.