ميدي 24 / هيئة التحرير
اشترط وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، أمام أعضاء لجنة الداخلية بمجلس المستشارين، مبدأ النزاهة والحكامة في التوظيفات، بدل “باك صاحبي” وأن يتم تطبيق مفهوم لا ضرر ولا ضرار.
ويشهد المغرب في السنوات الأخيرة إرتفاعا ملحوظا في معدلات الإحالة على التقاعد داخل عدد من القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها التعليم والصحة والإدارات العمومية ذات الصلة بالخدمات الأساسية للمواطنين. هذا التحوّل الديمغرافي والإداري يطرح تساؤلات ملحّة حول القدرة على ضمان استمرارية وجودة الخدمات، كما يُلقي بظلاله على مسار التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
وتنعكس هذه الظاهرة على مستوى أدائ كثير من القطاعات الحيوية، حيث يواجه القطاع الصحي مثلاً تحديات في تأمين ما يكفي من الأطر الطبية وشبه الطبية، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى خدمات علاجية متخصصة وشاملة. الأمر نفسه ينطبق على قطاع التعليم، الذي يعد حجر الزاوية في بناء مستقبل أفضل، إذ تؤدي مغادرة أعداد كبيرة من المدرّسين أصحاب الخبرة والكفاءة إلى ضغوط على المنظومة التربوية، قد تنعكس على جودة التعليم وفعاليته.
كما يبدو فتح باب التوظيف في الجماعات والمقاطعات حلا ملحا لسد الفراغات الناجمة عن الإحالة المتزايدة على التقاعد، فهذه الهيئات المحلية تشكّل واجهة الإدارة المغربية أمام المواطن، وتضطلع بمهام متنوعة تشمل إصدار الوثائق الإدارية، وتتبع المشاريع التنموية، وضمان الخدمات الأساسية كالنظافة والإنارة العمومية.
في ظل الوضع الحالي، يمثل تعزيز صفوف الموارد البشرية بهذه المرافق، سواء بتوظيف أطر إدارية وتقنية جديدة أو بإعادة توزيع الكفاءات الموجودة، خطوة ضرورية لتفادي أي تراجع في مستوى وجودة الخدمات. كما أن ضخ طاقات شبابية مؤهلة سيسهم في تجديد دماء هذه المؤسسات، وإدخال أساليب عمل حديثة تقوم على التكنولوجيا والتواصل الفعال.
ولمواجهة هذا التحدي، يبدو الحوار المجتمعي والمهني أكثر من ضرورة. يتعيّن على الدولة وضع خطط استراتيجية متكاملة، تبدأ بتقييم دقيق لحجم الخصاص في الموارد البشرية، ووضع أهداف واضحة للتوظيف والتكوين. كما ينبغي العمل على تطوير منظومة التقاعد نفسها، من خلال اعتماد سياسات توازن بين حقوق الموظفين ومصلحة المرفق العمومي.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تحسين برامج التكوين المستمر لفائدة الموظفين الجدد، بما يعزز مهاراتهم ويرفع من جاهزيتهم لمواكبة التطورات التقنية والإدارية. ولا ينبغي إغفال أهمية الحوافز المادية والمعنوية للحفاظ على استقرار الأطر العاملة حالياً، وتحفيز الجيل الصاعد من أجل الانخراط في العمل العمومي.
ان ارتفاع معدل التقاعد في القطاعات الحيوية بالمغرب يشكل جرس إنذار يستوجب استجابة سريعة ومدروسة، فالمعادلة واضحة: لا تنمية بلا إدارة ناجعة، ولا إدارة ناجعة بلا موارد بشرية كفؤة ومجدة.
وبفتح باب التوظيف وتعزيز سياسات التكوين والتأطير، يمكن للمغرب أن يحوّل هذا التحدي إلى فرصة حقيقية لإعادة هيكلة المرفق العمومي، والارتقاء بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين، تأميناً لمسار تنموي مستدام وشامل.